Tuesday, November 29, 2005

عندما يكون الشعب هو مصدر الديكتاتورية

إن وجود نظام حكم شمولي يقهر شعبه هو بالتأكيد شيء سيء. والأسوأ هو أن يكون المجتمع والشعب نفسه هو الذي يقهر المواطنين الذين لهم آراء أو مُعتقدات تخالف الأغلبية. أمّا المصيبة فهي تواجد الاثنين معا: نظام ديكتاتوري، ومجتمع قاهر للأقليّات بمختلف أشكالها، حيث أنه لا يمكن إصلاح واحد منهما (النظام أو المجتمع) بدون إصلاح الثاني، وفي نفس الوقت فإنه شبه مستحيل إصلاح الاثنين معا.

قرأت مؤخرا مقالين إخباريين يوضحان كيف يقوم الناس في مصر باضطهاد رفاقهم المواطنين، أو حتى يتصرّفون على أساس أن من يختلف عن الأغلبية ليس لديه الحق في المواطنة، لمجرد أنهم اختاروا ألا يسيروا مع القطيع، لسبب أو لآخر.



المقالة الأولى تتحدث عن 2000 مصري (يبدو أنهم جميعا من الرجال فقط)، كانوا قد سافروا في السابق لإسرائيل للعمل، وبينما كانوا هناك قاموا بالزواج من إسرائيليات، ثم بعد ذلك قاموا في وقت ما بالعودة لمصر، ويبدو أنه لسبب ما قاموا بالسكن في حي بالإسكندرية يُدعى "المناصرة".

أين المشكلة؟

محمد البدرشين، مرشح ناصري مستقل في انتخابات مجلس الشعب بالدائرة التي يتبعها حي المناصرة، وعضو حالي بالمجلس، قام بتقديم طلب لرئيس الوزراء أحمد نظيف، يرجو فيه إزالة أسماء الـ 2000 مصري من قوائم الناخبين في الدائرة، معللا طلبه بأن أصوات هؤلاء "باطلة" لمجرد أنهم عاشوا في إسرائيل في السابق وقاموا بالزواج من إسرائيليات.

بالمناسبة، الواضح من المقال أن هؤلاء الإسرائيليات هم من "عرب 1948"، أي أنهم من الفلسطينيين الذين إختاروا أو أختارت عائلاتهم البقاء داخل الحدود الاسرائيلة بعد إنشاء إسرائيل في 1948، وهذا يعني أن بالطبع يعني أن هؤلاء الإسرائيليات لسن يهوديات، وإنما في الغالب مسلمات أو مسيحيات. أما لوكُنّ يهوديات لكان الموضوع أشد صعوبة طبعا في مصر، عليهن وعلى أزواجهن.

ليس هذا فقط، بل أن البدرشين يقول أنه بما أنّ من المحتمل أن يكون ال 2000 مصري قد حصلوا على الجنسية الاسرائيلية بسبب إقامتهم هناك والزواج بإسرائيليات، فإنه لابد من أن تتبرأ الجنسية المصرية من "أمثال هؤلاء"، أي أنه يقصد أنه لابد لمصر من أن تسحب الجنسية من هؤلاء، رغم أن القانون في مصر لا يمنع تعدد الجنسيات للشخص الواحد.

لم أعثر على أخبار حول ما حدث لها الطلب بعد ذلك، ولكن هذا الخبر في حد ذاته يوضح رأي هذا العضو بمجلس الشعب في المواطنين الذين يمارسون حقوقهم، والذين اختاروا أن يعيشوا أو يتزوجوا في دولة تربطها مع مصر معاهدة سلام تم توقيعها منذ 26 عاما. لكن هذا الأمر ليس مفاجئا على أي حال، فمن المتوقع أيضا أن يتفق أغلب المصريين في الرأي مع البدرشين.



أما المقالة الثانية فهي تتحدث عن محامي إسمه جلال عبدالرحمن، وهو يزعم أن قرارات مؤتمر أقباط المهجر الذي عُقد مؤخرا في الولايات المتحدة كانت "غير عادلة"، و"غير دستورية"، وأن المشاركين بالمؤتمر "يعملون ضد مصلحة مصر" عندما يطالبون بتغيير المادة الثانية في الدستور أو عندما يطالبون بتخصيص 15% من مقاعد مجلس الشعب والوظائف العامة للأقباط. من الممكن أن تكوّن رأيك الخاص في هذه القرارات وتقول لنا عن رأيك... قرارات المؤتمر موجودة هنا.

حتى الآن كل هذا الكلام عادي جدا. المؤتمر لا يعجبه وهو يقول رأيه الذي من المتوقع أن يؤيده الكثيرين في مصر. ولكن المشكلة أنه قد قام بناء على ما سبق برفع دعوة قضائية يطالب فيها رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ووزير الداخلية، بسحب الجنسية المصرية من المشاركين في المؤتمر، ويقول أن هؤلاء ليس من حقهم أن يكونو مصريين.



من قال أن الديكتاتورية والفاشية مصدرها الحكومة فقط؟ وكيف يمكن مطالبة حكومة ديكتاتورية بتطبيق الديموقراطية، إذا كان الشعب نفسه الذي يطالب بالديموقراطية يقوم
في نفس الوقت الكثيرين منه بمحاولة طرد المختلفين وكل من يخرج عن "رأي الشعب"، ويعتبر أنهم لا يستحقون أن يكونوا مصريين أصلا؟
ء